فصل: (الآية الأولى):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

سورة المنافقون:
قوله تعالى: {قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} إلى قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً} الآية [1، 2].
فمنه قال الشافعي: إذا قال أشهد باللّه ونوى به اليمين كان يمينا.
وأبو حنيفة يجعلها دون اللّه يمينا، لأن اللّه تعالى أخبر عن الكفار أنهم يقولون نشهد إنك لرسول اللّه ولم يقولوا: نشهد باللّه، وقال تعالى: {فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ}.
والشافعي يقول: أشهد، ينبئ عن مبالغة ما، ولكن إذا لم يقرنه بذكر اللّه لم يدل على معنى اليمين، فإن خاصية اليمين في ذكر اسم اللّه تعالى، أو صفة من صفاته.
قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}، الآية/ 10.
فيه دلالة على أنه يجب تعجيل الزكاة، ولا يجوز تأخيرها أصلا. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة المنافقين إحدى عشرة آية.
وهي مدنيّة.
قال القرطبي: في قول الجميع.

.[الآية الأولى]:

{إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1)}.
{إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ}: أي إذا وصلوا إليك وحضروا مجلسك.
{قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}: أكدوا شهادتهم بأن، واللام للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم مع خلوص اعتقادهم، والمراد بالمنافقين: عبد اللّه بن أبيّ وأصحابه.
ومعنى {نشهد}: نحلف، فهو يجري مجرى القسم، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}: معترضة مقررة لمضمون ما قبلها، وهو ما أظهروه من الشهادة وإن كانت بواطنهم على خلاف ذلك.
{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1)}: أي في الشهادة التي زعموا أنها من صميم القلب وخلوص الاعتقاد، لا إلى منطوق كلامهم وهو الشهادة بالرسالة فإنه حق.
والمعنى واللّه يشهد إنهم لكاذبون فيما تضمنه كلامهم من التأكيد الدال على أن شهادتهم بذلك صادرة عن خلوص اعتقاد وطمأنينة قلب وموافقة باطن لظاهر. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة المنافقون:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (4)} جماعة خشب..
{حَتَّى يَنْفَضُّوا (7)} حتى يتفرقوا..
{فَيَقول رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي (10)} مجازها: هلّا..
{فَأَصَّدَّقَ (10)} نصبت على جواب بالفاء للاستفهام منصوب تقول: من عندك فآتيك، هلّا فعلت هذه كذا وكذا فأفعل كذا وكذا ثم تبعتها {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)} بغير الواو قال أبو عمرو: {وأكون من الصالحين} وذهبت الواو من الخط كما يكتب أبو جاد أبجد هجاء، قال آخرون: يجوز الجزم على غير موالاة ولا شركة {وأكون} ولكنه أشركه في الكلام الأول كأنه قال: هلا أخرتنى أكن، فهذه الفاء شركة في موضع الفاء الأولى والفاء الأولى التي في {فأصدق} في موضع الجزم قال: إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب [904]. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها المنافقون:

.[سورة المنافقون: آية 7]

{هُمُ الَّذِينَ يَقولونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7)}
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [7] وهذه استعارة. والمراد بـ: {خزائن السموات والأرض} مواضع أرزاق العباد، من مدارّ السحاب، ومخارج الأعشاب، وما يجرى مجرى ذلك من الأرفاق.
وقال بعضهم: المراد بالخزائن هاهنا مقدورات اللّه سبحانه، لأن فيها كلّ ما يشاء إخراجه، من مصالح العباد، ومنافع البلاد. وقد مضى الكلام على هذا المعنى فيما تقدّم. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة المنافقون:
النفاق من أخس الصفات، وهو ازدواج في الشعور والسلوك يبدأ بأن يكون المرء ذا وجهين ولا يزال ينمو حتى يكون صاحبه كالحرباء التي تصطبغ بألوان شتى حسب الوسط التي تكون فيه! والكذب والحلف عليه من أول أخلاق المنافقين. وهم يقتربون أو يبتعدون حسب هبوب الريح التي تحملهم هنا أو هناك، فليس لهم محور ثابت يدورون حوله، أو وجهة محددة يرتبطون بها. إنما هي منافعهم الخاصة التي يرنون إليها ولا يتحولون عنها. {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}. على أن الأحداث اليومية المتكررة وما تفرضه شتى المواقف على الناس لا تدع النفاق مستورا، فلابد أن ينكشف: إما في فلتات اللسان وإما في التعليق على الأحداث المفاجئة. وسورة (المنافقون) فضحت زعماء النفاق، وسجلت عليهم ما حاولوا الفرار منه! إنهم حريصون على أن تكون صورهم جميلة وشاراتهم معجبة- لتستر خباياهم- لكن حقدهم يغلبهم فيقولون ما يسئ إلى المهاجرين وما يحرج الأنصار. قد يقع شجار تافه بين بعض الخدم من هنا. ومن هنا فيجيء هؤلاء ليجعلوه فتنة جائحة تثير البغضاء وتنشى الوقيعة. {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون}. إن الله ابتلى المهاجرين بترك أموالهم وبيوتهم في مكة، وابتلى الأنصار باستقبالهم ومواساتهم في المدينة؟ فهل يجوز أن يقول ابن أبى: إننا مع هؤلاء كما قيل (سمن كلبك يأكلك!!) {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}؟ هذا كلام امرئ يبغى الشر للإسلام وأمته ويريد تمزيق الشمل وبعثرة الصفوف!
وعبد الله بن أبى كره الإسلام ونبيه لأنه كان مرشحا لزعامة المدينة قبل الهجرة، فلما قدم رسول الله ابتعد عنه التاج الذي كان يحلم به! ولو أن الأحمق آمن بالله واليوم الآخر لكان له من المجد ما يرجح بالدنيا وما فيها، إن الكفر حماقة لا قرار لها... ولو أنه عندما أخطأ جاء إلى رسول الله معتذرا لاستغفر له، وتاب الله عليه، لكنه أبى. وقد ختمت السورة بما يجعل العقلاء يؤثرون الله وما عنده ولا ينزلون بهمتهم إلى الحطام الزائل {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة المنافقون:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون، وهذه ذكر فيها أضدادهم، وهم المنافقون ولهذا أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة يحرض بها المؤمنين، وبسورة المنافقين يفزع بها المنافقين».
وعام المناسبة أن السورة التي بعدها فيها ذكر المشركين، والسورة التي قبل الجمعة فيها ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى والتي قبلها وهي الممتحنة فيها ذكر المعاهدين من المشركين والتي قبلها وهي الحشر فيها ذكر المعاهدين من أهل الكتاب، فإنها نزلت في بني النضير حين نبذوا العهد وقوتلوا وبذلك أتضحت المناسبة في ترتيب هذه السور الست هكذا، لاشتمالها على أصناف الأمم، وفي الفصل بين المسبحات بغيرها لأن إيلاء سورة المعاهدين من أهل الكتاب بسورة المعاهدين من المشركين أنسب من غيره وإيلاء سورة المؤمنين بسورة المنافقين أنسب من غيره فظهر بذلك أن الفصل بين المسبحات التي هي نظائر لحكمة دقيقة من لدن حكيم خبير، فلله الحمد على ما فهم وألهم هذا وقد ورد عن ابن عباس في ترتيب النزول: أن سورة التغابن نزلت عقب الجمعة، وتقدم نزول سورة المنافقون فما فصل بينهما إلا لحكمة والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 3):

قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{بسم الله} الذي له الإحاطة العظمى علما وقدرة فمن زاغ أراده (الرحمن) الذي ستر بعموم رحمته من أراد من عباده وفضح من شاء وإن دقق مكره وأخفاه (الرحيم) الذي وفق أهل وده بإتمام نعمته لما يحبه ويرضاه.
لما نهى سبحانه في الممتحنة عن اتخاذ عدوه وليًا، وذم في الصف على المخالفة بين القول والفعل، وحذر آخر الجمعة من الإعراض عن حال من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم على حال من الأحوال ولو مع الوفاق، لأن صورة ذلك كله صورة النفاق، قبح في أول هذه حال من أقبل عليه على حال النفاق، لأنه يكون كاليهود الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، واستمرت السورة كلها في ذمهم بأقبح الذم ليكون زاجرًا عن كل ما ظاهره نفاق، فقال تعالى: {إذا جاءك} أي يا أيها الرسول المبشر به في التوراة والإنجيل {المنافقون} أي العريقون في وصف النفاق وهو إسلام الظاهر وكفر الباطن، وأغلبهم من اليهود {قالوا} مؤكدين لأجل استشعارهم لتكذيب من يسمعهم لما عندهم من الارتياب: {نشهد} قال الحسن: هو بمنزلة يمين كأنهم قالوا: نقسم {إنك}- التأكيد لذلك وإيهامًا لأن قوة تأكيدهم لشدة رغبتهم في مضمون ما يقولونه {لرسول الله} أي الملك الذي له الإحاطة الكاملة، فوافقوا الحق بظاهر أحوالهم، وخالفوا بقلوبهم وأفعالهم.
ولما كانت الشهادة الإخبار عن علم اليقين لأنها من الشهود وهو كمال الحضور وتمام الاطلاع ومواطأة القلوب للألسنة، صدق سبحانه المشهود به وكذبهم في الإقسام بالشهادة ومواطأة ألسنتهم لقلوبهم فقال: {والله يعلم} أي وعلمه هو العلم في الحقيقة، وأكده سبحانه بحسب إنكار المنافقين فقال: {إنك لرسوله} سواء شهد المنافقون بذلك أم لم يشهدوا، فالشهادة بذلك حق ممن يطابق لسانه قلبه، وتوسط هذا بين شهادتهم وتكذيبهم لئلا يتوهم أن ما تضمنته شهادتهم من الرسالة كذب.
ولما كان ربما ظن أن هذا تأكيد لكلام المنافقين، دل على أنه تحقيق لمضمون كلامهم دون شهادتهم فقال: {والله} أي المحيط بجميع صفات الكمال {يشهد} شهادة هي الشهادة لأنها محيطة بدقائق الظاهر والباطن {أن المنافقين} أي الراسخين في وصف النفاق {لكاذبون} أي في إخبارهم عن أنفسهم أنهم يشهدون لأن قلوبهم لا تطابق ألسنتهم فهم لا يعتقدون ذلك، ومن شرط قول الحق أن يتصل ظاهره باطنه وسره بعلانيته، ومتى تخالف ذلك فهو كذب، لا المراد أنهم كاذبون في صحة ما تضمنته شهادتهم من أنك رسول الله والحاصل أن الشهادة تتضمن شيئين: صدق مضمون الخبر والإذعان له، فصدقهم في الأول وكذبهم في الثاني فصاروا بنفاقهم أسفل حالًا وشر مآلًا من اليهود.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أعقب حال المؤمنين فيما خصهم الله به مما انطوت عليه الآيات الثلاث إلى صدر سورة الجمعة إلى قوله: {والله ذو الفضل العظيم} [الجمعة: 4] بذكر حال من لم ينتفع بما حمل حسبما تقدم، وكان في ذلك من المواعظ والتنبيه ما ينتفع به من سبقت له السعادة، أتبع بما هو أوقع في الغرض وأبلغ في المقصود، وهو ذكر طائفة بين أظهر من قدم الثناء عليهم ومن أقرانهم وأترابهم وأقاربهم، تلبست في الظاهر بالإيمان، وأظهرت الانقياد والإذعان، وتعرضت فأعرضت وتنصلت فيما وصلت، بل عاقتها الأقدار، فعميت البصائر والأبصار، ومن المطرد المعلوم أن اتعاظ الإنسان بأقرب الناس إليه وبأهل زمانه أغلب من اتعاظه بمن بعد عنه زمانًا ونسبًا، فأتبعت سورة الجمعة بسورة المنافقين وعظًا للمؤمنين بحال أهل النفاق، وبسط من قصصهم ما يلائم ما ذكرناه، وكان قيل لهم: ليس من أظهر الانقياد والاستجابة، ثم بني إسرائيل ثم كان فيما حمل كمثل الحمار يحمل أسفارًا بأعجب من حال إخوانكم زمانًا وقرابة، وأنتم أعرف الناس بهم وأنهم قد كانوا في الجاهلية موصوفين بجودة الرأي وحسن النظر.
{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم} [المنافقين: 4] {ولكن المنافقين لا يفقهون} [المنافقين: 7] قلت: وقد مر في الخطبة ما رويناه في مصنف ابن أبي شيبة من قول أناس من المؤمنين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين فيبشر بها المؤمنين ويحرضهم، وأما سورة المنافقين فيوئس بها المنافقين ويوبخهم، وهذا نحو ما ذكرناه أولًا- انتهى.
ولما كان المعنى أنهم لم يعتقدوا ما شهدوا به، وكان كأنه قيل: فما الحامل لهم على هذا الكلام المؤكد والكذب في غاية القباحة لاسيما عند العرب، علله بقوله مسميًا شهادتهم إيمانًا لأن الشهادة تجري مجرى القسم في إرادة التوكيد، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم: {اتخذوا} أي أخذو بجهدهم {أيمانهم} أي كلها من شهادتهم هذه المجتهد في توكيدها وكل يمين سواها {جنة} أي وقاية تقيهم المكاره الدنيوية ويستترون بها منها فيصونون بها دماءهم وأموالهم، فاستضاؤوا بنور الإجابة فلم ينبسط عليهم شعاع نور السعادة فانطفأ نورهم بقهر الحرمان، وبقوا في ظلمات القسمة السابقة بحكم الخذلان {فصدوا} أي فسبب لهم اتخاذهم هذا أن أعرضوا بأنفسهم مع سوء البواطن وحرارة الصدور، وحملوا غيرهم على الإعراض لما يرى من سيئ أحوالهم بتلك الظواهر مع بقائهم على ما كانوا ألفوه من الكفر الذي يزينه الشيطان {عن سبيل الله} أي عن طريق الملك الأعظم الذي شرعه لعباده ليصلوا به إلى محل رضوانه، ووصلوا إلى ذلك بخداعهم ومكرهم بجرأتهم على الإيمان الحانثة التي يمشون حالهم بها لما شرعه الله في هذه الحنيفية السمحة من القناعة من الحالف بيمينه فيما لا يعلم إلا من قبله.
ولما كان ما أخبر به من حالهم في غاية القباحة، أنتج قوله: {إنهم} وأكده لأن حالهم بعجبهم وعجب كثيرًا ممن قاربهم {ساء ما كانوا} أي جبلة وطبعًا {يعملون} أي يجددون عمله مستمرين عليه بما هو كالجبلة من جرأتهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وخلص عباده بالأيمان الحانثة.
ولما كانت المعاصي تعمي القلب فكيف بأعظمها، علله بقوله: {ذلك} أي الأمر العظيم في البعد من الخير من الكذب بالإخبار بالشهادة والحلف على الصدق والصد عن السبيل والوصف لعملهم بالسوء {بأنهم آمنوا} أي بسبب أنهم أقروا بالإيمان بألسنتهم من غير مطابقة لقلوبهم.
ولما كان الكفر مستبعدًا فكيف إذا كان بعد الإقرار، عبر بأداة البعد لذلك ولتفهم الذم على التعقيب من باب الأولى، ولئلا يتوهم أن الذم إنما هو على تعقيب الإيمان بالكفر فقط، لا على مطلقه، فالتعبير بثم يفهم أن من استمر طول عمره على الإيمان ثم كفر قبل موته بلحظة كان له هذا الذم فقال: {ثم كفروا} أي سرًا فهابوا الناس ولم يهابوا الله.
ولما كان مجرد الطبع على القلب في غاية البشاعة، كان مفهمًا لبشاعة ما كان منه من الله من باب الأولى، بني للمجهول قوله: {فطبع} أي فحصل الطبع وهو الختم مع أنه معلوم أنه لا يقدر على ذلك غيره سبحانه {على قلوبهم} لأجل اجترائهم على ما هو أكبر الكبائر على وجه النفاق حتى مرنوا على الكفر واستحكموا فيه، وكذلك من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونًا بها {فهم} أي فتسبب عن ذلك أنهم {لا يفقهون} أي لا يقع لهم فقه في شيء من الأشياء فهم لا يميزون صوابًا من خطأ ولا حقًا من باطل لأن المختوم عليه لا يصل إليه شيء ولا يخرج منه شيء. اهـ.